أرشيف

القصر بدون طيرمانة

كان متوقعاً ما يحدث اليوم في شمال صنعاء لدى الكثير من المراقبين وإن بصورة مختلفة زماناً ومكاناً, فالمحاولات المستميتة من قبل النظام بجر الثورة من مربعها السلمي إلى مربعه الدموي باءت بالفشل الذريع, وقد كانت الوحدات العسكرية المؤيدة للثورة خصوصاً تلك التابعة للفرقة الأولى مدرع هي المستهدفة, ولكن وبعد تبين عجزه اتجه النظام إلى مساحة أخرى رآها مناسبة له لتحقيق ذلك: فأفتعل معركة جانبية مع آل الأحمر, ولكن هل ينجح فيما هدف إليه؟ الإجابة حتى اللحظة تأتي في صيغة النفي غير أنها قد تتغير إلى “الإيجاب” في حالة استطاع توسيع دائرة المواجهة ودائرة الخصوم, وهذا ما سيسعى إليه حثيثاً في الساعات القادمة…


مذبحة مشايخ القبائل والوسطاء مؤشر واضح على ذلك, وإن كان هذا المؤشر لا يزال بلونه البرتقالي والذي قد يتحول إلى اللون الأحمر إن لم يفوت الطرف الآخر عليه الفرصة بضبط النفس وامتصاص حالة الغضب المشروعة وإن لم يتعرض النظام لضغوطات إقليمية ودولية حقيقية. وحتى الآن فصمت الرياض المثير للريبة يحمل الكثير من التأويلات المتقاطعة, فالمبادرة الخليجية السعودية أصلاً مثلث أول محاولة لاحتضان الثورة تحت عباءتها, ولضمان عدم خروج ما يترتب على هذه الثورة من نتائج, من بين أصابع السيطرة التاريخية للرياض على القرار اليمني, وهذا ما يفسر بجلاء صيغة المبادرة وتعديلات بنودها, والتي جاءت بناء على قراءات متعسفة ومقصودة لما يحدث, وتصوير الأمر كأزمة سياسية طرفها الأول السلطة ممثلة بصالح وحزبه وطرفها الآخر المعارضة الممثلة في المشترك وسنامه – كما تعتقد الرياض وآل الأحمر تاريخياً الطرفان (آل الصالح حالياً, وآل الأحمر) هما الدعامتان الاستراتيجيان لحلف الرياض, ذلك الحلف الذي بني في عقود وفقاً لمصلحتها وبحسب تكتيكات المواءمة والتوافق بين أطرافها, إلا أن هذا الحلف بدأ في التشقق والتفكك, بدءاً من تدشين مشروع التوريث, مروراً بوفاة الشيخ وليس نهاية بخروج أبنائه مع صف المعارضة وأخيراً إلى جانب الثورة. إنه مفترق طرق لا ولن تلتقي في نهايته هذه الأطراف .. لقد فشلت السعودية من خلال مبادرتها في الدفع بهذه الأطراف للالتقاء من جديد, ففضلت البحث عن وسيلة أخرى تستخدمها لإعادة شبك خيوط الداخل اليمني بين أصابعها القاتلة. لقد كانت هذه الوسيلة هي الحرب….صحيح-ربما – أنها لم تدفع مباشرة بهذه لا الحرب غير أن الصمت الذي لاذت به من قبل ومن بعد يوحي بأنها ذات مصلحة أكيدة في ذلك, فمن سينتصر هو معها وهي صفة, ومن يخسر فمضايف جدة مفتوحة أمامه. أمامه,غير أن هذه القراءة السريعة قد تغدو هباء منثورا إن تلمسنا تلابيب البعد الدولي لما يحدث, والأمريكي خصوصاً, فمنذ أن اشترط صالح لتنحية خروج آل الأحمر وآل المحسن معه من اليمن, ومنذ أن تأكدت تسريبات بوجود إصرار أمريكي على بقاء أبناء الرئيس وأبناء أخيه كقيادات للأجهزة الأمنية والعسكرية, تأكد أن الرجل فطن لمرامي الرياض في ضمان انتقال السلطة من حليف لها في اليد اليمني إلى حليف آخر اليمنى
إلى حليف آخر في يدها اليسرى, ويبدو أنه قد وضع رهانه كاملاً على دور واشنطن في فرملة مساعي الرياض هذه. قد يقول قائل إن البعد الإقليمي”الرياض”والبعد الدولي “واشنطن” يتوازيان دوما في ثبات مصالحهما المشتركة. نعم هذا صحيح, ولكنهما يفترقان احياناً لاستكمال إستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب هو ذاته ما تريده الرياض, لكنهما يختلفان حول من هو الطرف الذي سيكمل لهما اللعبة, غير أنهما يتفقان عليه في النهاية, وهذا ما لم يقطن إليه صالح ربما. من ناحية ثانية فإن أهداف النظام الأخرى من هذه المعركة باتت مكشوفة بشكل مفضوح..إنه يريد تعنيف الثور ومن ثم تصفيتها, كما يريد أن يختزل الأمر كصراع بينه وبين أسرة الشيخ الأحمر,وبما يوحي أن الأخيرين من يقفون وراء الثورة.. يريد أن يبدأ بالرؤوس الكبيرة لتنحي صغارها بعد ذلك..يريد أن يقطع شريان الإمداد اللوجستي والمادي عن جسد الثورة..يريد أن يخلق وضعاً جديداً يعيده
إلى التموضع كطرف أقوى في المعركة بما يتيح له فرض شروطه.
هذا ما يريده النظام ولكن الشعب له ما يريد, ولننتظر لنرى ما أراده الله لهذا الوطن. ونختم بما رواه أحد سكان منطقة الحصبة والذي أستيقظ في إحدى صباحات الأسبوع الماضي وإذا بمنزله بدون”طيرمانة” وقد تم قصفها تحت جنح الظلام دون أن يدري! فهل يحدث أن يستيقظ اليمانيون ذات صباح قريب ليجدوا النظام بدون رأس.


المحرر السياسي – صحيفة اليقين

زر الذهاب إلى الأعلى